فصل: الخبر عن دولة المرتضى ابن أخي المنصور.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة السعيد بن المأمون.

لما هلك الرشيد بويع أخوه أبو الحسن السعيد بتعيين أبي محمد بن وانودين وتلقب المقتدر بالله واستوزر السيد أبا اسحق بن السيد أبي إبراهيم ويحيى بن عطوش وتقبض على جملة من مشيخة الموحدين واستصفى أموالهم واستخلف لنفسه رؤساء العرب من جشم واستظهر بجموعهم على أمره وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون كبير مجكسة ولأول بيعته انتقض عليه أبو علي بن الخلاص البلنسي صاحب سبتة وكذلك أهل أشبيلية وبايعوه جميعا للأمير أبي زكريا صاحب أفريقية.
ثم انتقض عليه بسلجماسة عبد الله بن زكريا الهزرجي لمقالة كانت منه يوم بيعة الرشيد اسرها له فبايع للأمير أبي زكريا ثم وصلته في هذه السنة هدية يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان فنهض الأمير أبو زكريا صاحب أفريقية بسبب ذلك إلى تلمسان واستولى عليها ثم عقد عليها ليغمراسن حسبما نذكر في أخباره وخرج السعيد من مراكش لتمهيد بلاد المغرب سنة اثنتين وأربعين وتغير لسعيد بن زكريا الكدميوي فتقبض عليه من معسكره بتانسفت وفر أخوه أبو زيد ومعه أبو سعيد العود الرطب ولحقوا بسلجماسة أموالهم بمراكش وارتحل بقصد سجلماسة وأخذ واليها عبد الله الهزرجي في أسباب الامتناع فغدر به أبو زيد بن زكريا الكدميوي وداخل أهل سجلماسة في الثورة عليه وملك البلد واستدعى السيد لها فوصل وقتل الهزرجي وفر أبو سعيد العود الرطب إلى تونس ثم رجع السعيد إلى المغرب وقتل سعيد بن زكريا ونزل المقرمدة من أحواز فاس وعقد المهادنة مع بني مرين وقفل إلى مراكش فتقبض على أبي محمد بن وانودين واعتقله بأزمور واعتقل معه يحيى بن مزاحم ويحيى بن عطوش لنظر ابن ماكسن فأعمل الحيلة في الفرار من معتقله وخلص ليلا إلى كانون بن جرمون فأركبه وبعث معه من عرب سفيان من أوصله إلى قومه هنتاتة وراسله السعيد على أثرها وسكنه واعتذر له وأسعفه بسكنى تافيوت من حصون عمله بأهله وولده.
ثم انتقض على السعيد كانون بن جرمون وسفيان وخالفهم إليه بنو جابر والخلط وخرج من مراكش واستوزر السيد أبا اسحق ابن السيد أبي إبراهيم إسحق أخي المنصور واستخلف أخاه أبا زيد على مراكش وأخاهما أبا حفص عمر على سلا وفصل من مراكش سنة وجمع له أبو يحيى بن عبد الحق جموع بني راشد وبني وراو سفيان حتى إذا تراءى الفريقان للقاء خالف كانون بن جرمون الموحدين إلى أزمور واستولى عليها ورجع السعيد أدراجه في أتباعه ففر كانون واعترضه السعيد فأوقع به واستلحم كثيرا من سفيان قومه واستولى على ماله من مال وماشية ولحق كانون في فل بني مرين ورجع السعيد إلى الحضرة.
وفي ثلاث وأربعين من سطوته فحولوا الدعوة إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص صاحب أفريقية وبعثوا إليه ببيعتهم وكانت من إنشاء أبي مطرف بن عميرة وذلك بمداخلة أبي يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين ووفاقه لهم على ذلك وشارطوا أبا يحيى بن عبد الحق بمال دفعوه إليه على الحماية.
ثم راجعوا أمرهم وأوفدوا صلحاءهم ببيعتهم فرضي عنهم السعيد ورضوا عنه وفي هذه السنة بعث أهل أشبيلية وأهل سبتة بطاعتهم للأمير أبي زكريا صاحب أفريقية.
وبعث ابن خلاص بهديته مع ابنه في أسطول أنشأه لذلك فغرق عند إقلاعه من المرسى وفي سنة ست وأربعين كان استيلاء الطاغية على أشبيلية لسبع وعشرين من رمضان ولما بلغ السيد بيعة أهل أشبيلية وسبتة للأمير أبي زكريا إلى ما كان من تغلبه على تلمسان وأخذ يغمراسن بدعوته ثم ما كان من بيعة أهل مكناسة وأهل سجلماسة أعمل نظره في الحركة إلى تلمسان ثم إلى أفريقية وخرج إلى مراكش في ذي الحجة من سنة خمس وأربعين وستمائة ووافاه كانون بن جرمون فعاوده الطاعة واستحشد سفيان وجاء في جملة السعيد مع سائر القبائل من جشم.
ولما احتل السعيد بتازي وافاه وفد بني مرين عن أميرهم أبي يحيى بن عبد الحق فاعطوه الطاعة وبعثوا معه عسكرا من قومهم مددا له.
ثم ثار السعيد إلى تلمسان فكان مهلكه بتامزردكت على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين وستمائة حسبما يشرح في أخبارهم.
ويقال إن ذلك كان بمداخلة من الخلط فاستولوا على المحلة وقتلوا عدوهم كانون وانفض العسكر إلى المغرب وقد اجتمعوا إلى عبد الله بن السعيد واعترضهم بنو مرين بجهات تازي فقتلوا عبد الله بن السعيد ولحق الفل بمراكش فبايعوا المرتضى كما نذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن دولة المرتضى ابن أخي المنصور.

لما لحق فل العسكر بعد مهلك السعيد بمراكش اجتمع الموحدون على بيعة السيد أبي حفص عمر بن السيد أبي إبراهيم اسحق أخي المنصور واستقدموه لها من سلا فلقيه وافدهم بتامسنا من طريقه ومعه أشياخ العرب فبايعوه وتلقب المرتضى وعقد ليعقوب بن كانون على بني جابر ولعمه يعقوب بن جرمون على عرب سفيان بعد أن كان قومه قدموه عليهم ودخل الحضرة فاستوزر أبا محمد بن يونس وتقبض على حاشية السعيد ثم وصل أخوه السيد أيو اسحق من الفل آخذا على طريق سجلماسة فاستوزره واستبد عليه واستولى أبو يحيى بن عبد الحق وبنو مرين إثر مهلك السعيد على رباط تازي من يد السيد أبي علي أخي أبي دبوس وأخرجوه فلحق بمراكش ثم استولوا بعدها على مدينة فاس سنة سبع وأربعين وستمائة كما يذكر في أخبارهم بعد.
وفي هذه السنة ثار بسبتة أبو القاسم العزفي وأخرج ابن الشهيد الوالي على سبتة من قرابة الأمير أبي زكريا صاحب أفريقية وحول الدعوة للمرتضى حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية وأخبار بني العزفي وفي سنة تسع وأربعين وستمائة وفد على المرتضى موسى بن زيان الونكاسي وأخوه علي من قبائل بني مرين وأغروه بقتال بني عبد الحق فخرج إليهم ولما انتهى إلى أمان إيملولي أشاع يعقوب بن جرمون قضية الصلح بينهما فأصبحوا راحلين وقد استولى الجزع على قلوبهم فانفضوا ووقعت الهزيمة من غير قتال ووصل المرتضى إلى الحضرة فعزل أبا محمد بن يونس عن الوزارة لشيء بلغه عنه وأسكنه بحملته مع حاشيته وفر من حملته علي بن بدر إلى السوس سنة إحدى وخمسين وستمائة وجاهر بالعناد وسرح إليه السلطان عسكرا من الجند فرجعوا عنه ولم يظفروا به وتفاقم أمره سنة اثنتين وخمسين وستمائة وجمع أعراب الشبانات وبني حسان وحمل أموال ونازل تارودانت فحاصر من كان بها وسرح المرتضى إليه عسكرا من الموحدين فأفرج عنها ثم رجع بعد قفولهم إلى حاله وعثر المرتضى على خطابه لقريبة ابن يونس وكتاب ابن يونس إليه بخطه فاعتقل هو وأولاده ثم قتل.
وفي هذه السنة استدعى مشيخة الخلط إلى الحضرة وقتلوا لما كان منهم في مهلك السعيد وفيها خرج أبو الحسن بن يعلو في عسكر من الموحدين إلى تامسنا ليكشف أحوال العرب ومعه يعقوب بن جرمون وعهد إليه المرتضى بالقبض على يعقوب ابن محمد بن قيطون شيخ بني جابر فتقبض عليه وعلى وزيره ابن مسلم وطير بهما إلى الحضرة معتقلين.
وفي سنة ثلاث وخمسين وستمائة خرج المرتضى من مراكش لاسترجاع فاس ونواحيها من يد بني مرين المتغلبين عليها فوصل إلى بني بهلول وزحف إليه بنو مرين وأميرهم أبو يحيى فكانت الهزيمة على الموحدين بذلك الموضع ورجع المرتضى مفلولا إلى مراكش ورعى بني مرين من بعد ذلك سائر أيامه واستبد العزفي بسبتة وابن الأمير بطنجة كما نذكره في أخبارهم.
وفي سنة خمس وخمسين وستمائة بعث المرتضى إلى السوس عسكرا من الموحدين لنظر أبي محمد بن أصناك فلقيهم علي بن بدر وهزمهم واستبد بأمره في السوس.
وفي هذه السنة استولى أبو يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وتقبض على واليها عبد الحق بن أصكو بمداخلة من خديم له يعرف بمحمد القطراني بنواحي سلا فصرف عبد الحق ابنه محمدا هذا في مهمة وقربه من بين أهل خدمته وحدثته نفسه بالثورة فاستمال عرب المعقل أولا بالمشاركة في حاجاتهم عند مخدومه والإحسان إليهم حتى اشتملوا عليه.
ثم داخل أبا يحيى بن عبد الحق في تمكينه من البلد فجاء بجملته وقدم وفده إلى البلد رسلا في بعض الحديث فتقبض محمد القطراني على عبد الحق بن أصكو وأخرجه إلى أبي يحيى بن عبد الحق فقاده وسرحه إلى مراكش.
وكان القطراني شرط على أبي يحيى أن يكون والي سجلماسة فأمضى له شرطه وأنزل معه بها من رجالات بني مرين حتى إذا هلك أبو يحيى بن عبد الحق أخرجهم محمد القطراني واستبد بأمر سجلماسة وراجع دعوة المرتضى واعتذر إليه واشترط عليه الاستبداد فأمضى له شرطه إلا في أحكام الشريعة.
وبعث أبا عمر بن حجاج قاضيا من الحضرة وبعض السادات للنظر في القضية وقائدا من النصارى بعسكر للحماية فأعمل ابن الحجاج الحيلة في قتل القطراني وتولاه قائد النصارى واستبد السيد بأمر سجلماسة بدعوة المرتضى واستفحل أمر بني مرين أثناء ذلك ونزل يعقوب بن عبد الحق بسائط تامسنا فسرح إليهم المرتضى عساكر الموحدين لنظر يحيى بن وانودين فأجفلوا إلى وادي أم ربيع فأتبعهم الموحدون فرجعوا إليهم وغدر بهم بنو جابر فانهزم الموحدون بأمر الرجلين ولحق شيخ الخلط عيسى بن علي ببني مرين وارتحلوا إلى أوطانهم.
وكان المرتضى قدم يعقوب بن جرمون على قبائل سفيان وكان محمد ابن أخيه كانون يناهضه في رياسة قومه وغص به فقتله وثأر به أخواه مسعود وعلي بفدفد فقتلاه وولى المرتضى مكانه ابنه عبد الرحمن فاستوزر يوسف بن وازرك ويعقوب ابن علوان وشغل بلذاته وتصدى لقطع السابلة ثم نكث الطاعة ولحق ببني كرين فولى مكانه عمه عبد الله بن جرمون ويكنى بأبي زمام وعقد له المرتضى ثم أدال منه بأخيه مسعود عجزه ووفد على المرتضى عواج بن هلال من أمراء الخلط نازعا إلى طاعته ومفارقا لبني مرين فأنزل معه أصحابه بمراكش وجاء على أثره عبد الرحمن بن يعقوب بن جرمون فتقبض على عواج ودفعه إلى علي بن أبي علي فقتله وكان تقبض معه على عبد الرحمن بن يعقوب ووزيره فقتلوا جميعا واستبد برياسة سفيان مسعود بن كانون وبرياسة بني جابر إسماعيل بن يعقوب بن قيطون.
وفي سنة ستين وستمائة عند رجوع يحيى بن وانودين من واقعة أم الرجلين خرج عسكر من الموحدين إلى السوس لنظر محمد بن علي الزلماط ولقيه علي بن بدر فهزم جموعه وقتله وعقد المرتضى من بعده على حرب علي بن بدر للوزير أبي زيد بن بكيت وسرح معه عسكرا من الجند وكان فيهم دنلب من زعماء النصرانية فدارت الحرب بين الفريقين ولم يكن للموحدين فيها ظهور على كثرتهم وقوة جلدهم وحسن بلائهم فسلبهم عن ذلك تكاسل دنلب وخروجه عن طاعة الوزير وكتب بذلك للمرتضى فاستقدمه وأمر أبو زيد بن يحيى الكدميوي باعتراضه في طريقه وقتله وفي سنة اثنتين وستين وستمائة أقبل يعقوب بن عبد الحق في جموع بني مرين فنازلوا مراكش واتصلت الحرب بينهم وبين الموحدين بظاهرها أياما هلك فيها عبد الله أنعجوب بن يعقوب فبعث المرتضى إلى أبيه بالتعزية ولاطف وضرب له أتاوة يبعث بها إليه في كل عام فرضي وارتحل عنهم والله أعلم.